responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 430
بِنَفْسِهِ، وَالنَّاظِرُ إِلَى إِيتَاءِ الرِّزْقِ مَشْغُولٌ بِالرَّازِقِ، وَمَنْ/ طَلَبَ الْحَقَّ لِغَيْرِهِ فَهُوَ مَحْجُوبٌ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ: أَلَّا خَوْفٌ فِي مَحَلِّ الْخَفْضِ بَدَلٌ مِنَ (الَّذِينَ) وَالتَّقْدِيرُ: وَيَسْتَبْشِرُونَ بِأَنْ لَا خَوْفٌ وَلَا حُزْنٌ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ، وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الِاسْتِبْشَارُ السُّرُورُ الْحَاصِلُ بِالْبِشَارَةِ، وَأَصْلُ الِاسْتِفْعَالِ طَلَبُ الْفِعْلِ، فَالْمُسْتَبْشِرُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ طَلَبَ السُّرُورَ فَوَجَدَهُ بِالْبِشَارَةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اعْلَمْ أَنَّ الَّذِينَ سَلَّمُوا كَوْنَ الشُّهَدَاءِ أَحْيَاءً قَبْلَ قِيَامِ الْقِيَامَةِ ذَكَرُوا لِهَذِهِ الْآيَةِ تَأْوِيلَاتٍ أُخَرَ.
أَمَّا الْأَوَّلُ: فَهُوَ أَنْ يُقَالَ: أَنَّ الشُّهَدَاءَ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: تَرَكْنَا إِخْوَانَنَا فُلَانًا وَفُلَانًا فِي صَفِّ الْمُقَاتِلَةِ مَعَ الْكُفَّارِ فَيُقْتَلُونَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَيُصِيبُونَ مِنَ الرِّزْقِ وَالْكَرَامَةِ مَا أَصَبْنَا، فَهُوَ قَوْلُهُ: وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ.
وَأَمَّا الثَّانِي: فَهُوَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الشُّهَدَاءَ إِذَا دَخَلُوا الْجَنَّةَ بَعْدَ قِيَامِ الْقِيَامَةِ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ هُمْ إِخْوَانُهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ مِثْلُ دَرَجَةِ الشُّهَدَاءِ، لِأَنَّ الشُّهَدَاءَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَهُمْ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً [النِّسَاءِ: 95، 96] فَيَفْرَحُونَ بِمَا يَرَوْنَ مِنْ مَأْوَى الْمُؤْمِنِينَ وَالنَّعِيمِ الْمُعَدِّ لَهُمْ، وَبِمَا يَرْجُونَهُ مِنَ الِاجْتِمَاعِ بِهِمْ وَتَقَرُّ بِذَلِكَ أَعْيُنُهُمْ، هَذَا اخْتِيَارُ أَبِي مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيِّ وَالزَّجَّاجِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ التَّأْوِيلَ الْأَوَّلَ أَقْوَى مِنَ الثَّانِي، وَذَلِكَ لِأَنَّ حَاصِلَ الثَّانِي يَرْجِعُ إِلَى اسْتِبْشَارِ بَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ بِبَعْضٍ بِسَبَبِ اجْتِمَاعِهِمْ فِي الْجَنَّةِ، وَهَذَا أَمْرٌ عَامٌّ فِي حَقِّ كُلِّ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَا مَعْنَى لِتَخْصِيصِ الشُّهَدَاءِ بِذَلِكَ، وَأَيْضًا: فَهُمْ كَمَا يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ، فَكَذَلِكَ يَسْتَبْشِرُونَ بِمَنْ تَقَدَّمَهُمْ فِي الدُّخُولِ، لِأَنَّ مَنَازِلَ الْأَنْبِيَاءِ وَالصِّدِّيقِينَ فَوْقَ مَنَازِلِ الشُّهَدَاءِ، قَالَ تَعَالَى: فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ [النِّسَاءِ: 69] وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يَبْقَى فَائِدَةٌ فِي التَّخْصِيصِ. أَمَّا إِذَا فَسَّرْنَا الْآيَةَ بِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَفِي تَخْصِيصِ الْمُجَاهِدِينَ بِهَذِهِ الْخَاصِّيَّةِ أَعْظَمُ الْفَوَائِدِ فَكَانَ ذَلِكَ أَوْلَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الْخَوْفُ يَكُونُ بِسَبَبِ تَوَقُّعِ الْمَكْرُوهِ النَّازِلِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَالْحُزْنُ يَكُونُ بِسَبَبِ فَوَاتِ الْمَنَافِعِ الَّتِي كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي الْمَاضِي، فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ فِيمَا سَيَأْتِيهِمْ/ مِنْ أَحْوَالِ الْقِيَامَةِ، وَلَا حُزْنٌ لَهُمْ فيما فاتهم من نعيم الدنيا.

[سورة آل عمران (3) : آية 171]
يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)
[في قَوْلُهُ تَعَالَى يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ] وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّهُمْ كَمَا يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ عَلَى مَا ذَكَرَ فَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ لِأَنْفُسِهِمْ بِمَا رُزِقُوا مِنَ النَّعِيمِ، وَإِنَّمَا أَعَادَ لَفْظَ يَسْتَبْشِرُونَ لِأَنَّ الِاسْتِبْشَارَ الْأَوَّلَ كَانَ بِأَحْوَالِ الَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ، وَالِاسْتِبْشَارُ الثَّانِي كَانَ بِأَحْوَالِ أَنْفُسِهِمْ خَاصَّةً.
فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ أَنَّهُ ذَكَرَ فَرَحَهُمْ بِأَحْوَالِ أَنْفُسِهِمْ وَالْفَرَحُ عَيْنُ الِاسْتِبْشَارِ؟

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 430
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست